قد تشعر وكأنّك لا تعيش في القرن الحادي والعشرين إن لم تكن نشطًا على وسائل التواصل الاجتماعي. فهي واحدة من أقوى الأدوات التي تربطنا بالعالم من حولنا وتبقينا على اطلاع دائم بأحدث المستجدات. مع ذلك، على الرغم من فوائدها العديدة، يمكن أن تكون منصات التواصل الاجتماعي شديدة الإدمان. فعندما تبدأ بالتمرير في خلاصة المنصة، تشعر برغبة شديدة لاستهلاك المزيد. هذه هو التعريف الحقيقي للإدمان، والذي يؤثر بشكل سلبي على حياتك وصحتك ويدفعك للانفصال عن العالم من حولك.
تعرفوا معنا في هذا المقال على الجانب المظلم للسوشيال ميديا وكيف يمكن لإدمانها أن يهدد صحتك الجسدية والعقلية. وسنرى أيضًا ما هي علامات إدمان السوشيال ميديا وكيف يمكن التخلص من هذا الإدمان لحياة أفضل وأكثر إنتاجية.
إدمان السوشيال ميديا وتأثيره على حياتك
بدأ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات للتواصل مع الأصدقاء والعائلة ومشاركة الأفكار على “الحائط” الخاص بك، لكن سرعان ما خرجت الأمور عن السيطرة وغدت هذه المنصات كأدوات استنزاف لوقتنا وطاقتنا.
ثقافة المقارنة مع الآخرين
بدأ التحول في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي منذ إدخال الانستغرام Instagram، حيث بدأت الصور تطغو على فكرة التواصل ومشاركة الأفكار. ليصبح الانستغرام هو منصة للتباهي أكثر منها للتواصل. ومن هنا نشأت ثقافة المقارنة مع الآخرين.
فالحياة على الانستغرام جميلة للغاية. السفر والحب والمطاعم والحفلات والسيارات والجمال، هذا هو المحتوى الذي يحقق إعجابات وتفاعلات عالية. والصور الجميلة تعني أنّ حياة صاحبها سعيدة، وبالمقابل، هي فرصة للمتابعين للهروب من الواقع ورؤية الحياة من منظور آخر.
هنا تبدأ المشاكل. فمستخدمي الانستغرام، يرسمون صورة غير واقعية عن الحياة، مما يدفعهم إلى الاكتئاب والقلق والتوتر عند مقارنة حياتهم مع حياة هؤلاء “المؤثرين” على الانستغرام.
أتذكر مشاهدة حلقة من مسلسل “الفصول الأربعة”، تناولت زيارة “مايا” من عائلة “الجوربار” الغنية إلى منزل صديقتها “دارين” الفقيرة لتدرس عندها، حيث كانت “دارين” تعيش مع عائلتها في منزل صغير جدًا وحياتها بسيطة للغاية. وفي إحدى المرات قامت “فاتن” (والدة مايا) بزيارة هذا المنزل واستغربت كيف يمكن لابنتها أن تترك الفيلا التي يعيشون فيها لتأتي للدراسة هنا، وطلبت منها أن تذهب مع “دارين” للدراسة في الفيلا الخاصة بهم، وهذا ما حصل. بعد عدّة أيام، ذهبت والدة “دارين” إلى فيلا عائلة “الجوربار” وطلبت من “فاتن” أن لا تستضيف “دارين” في الفيلا بعد الآن. استغربت “فاتن” وسألتها عن السبب، لتُجيب والدة “دارين” أنّ “دارين” تغير كثيرًا وأصبحت كثيرة التذمر عن حياتهم الفقيرة وكيف أنّ حياة صديقتها “مايا” أفضل بكثير، وكما أصبحت تخجل من أهلها ولا يُعجبها أي شيء في حياتهم.
هذا هو تأثير الانستغرام في حياتنا الحالية. الانستغرام بمثابة فيلا عائلة “الجوربار” الغنية، والمستخدم هو “دارين” الفقيرة. يرى المستخدم أنّ الجميع على الانستغرام يعيش حياة مليئة بالسعادة ويصيبه الاكتئاب من حياته عند مقارنتها مع حياة الآخرين. ليطغى التذمر على الامتنان.
الحقيقة أنّ هذه الحياة الافتراضية مصطنعة للغاية، وبعيدة كافّة البعد عن الحياة الواقعية، لكن من الصعب على الجميع تفهم ذلك.
انظر: أفضل 10 حيل مُثبتة علميًا لتصبح شخصًا أكثر جاذبية وكاريزما
وسائل التواصل الاجتماعي مُدمنة
لا يوجد مصطلح طبي أو تشخيص محدد لوصف إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، إلّا أنّه يندرج تحت “اضطراب إدمان الإنترنت” (IAD).
في دراسة حديثة أجرتها كلية الطب في جامعة ستانفورد، وجدوا أنّ الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يعدّ إدمان خطير شبيه بإدمان المخدرات. فقد تم تصميم هذه المنصات لإبقاء المستخدمين منشغلين طيلة اليوم، باستخدام وسائل مثل التمرير اللانهائي للمنشورات والإشعارات التي تدفعهم للعودة بعد الخروج.
ويعتبر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إدمانًا، لأنّ المستخدم عندما يرى إشعارًا مثل “إعجاب” أو “أخبار عاجلة” أو غيرها يستجيب دماغه بإفراز مادة الدوبامين التي تمنحه الشعور بالسعادة والمتعة. مما يدفعه دائمًا للجوء لوسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للسعادة، وأداة للتعامل مع التوتر أو الوحدة أو الاكتئاب.
ظاهرة الخوف من تفويت الفرص FOMO
ظاهر “فومو” أو بالإنجليزية FOMO أو بمعناه الخوف من تفويت الفرص، ترتبط ارتباطًا وثيقًا مع استخدام السوشيال ميديا.
يميل المستخدمون إلى البقاء متصلين على وسائل التواصل الاجتماعي لكي يبقوا مطلعين على أحدث المستجدات وخوفًا من تفويت أي منها.
وتبرز هذه الظاهرة عند المستخدمين بسبب التعرض المستمر للصور والفيديوهات المثالية للآخرين. ويشعرون بالتوتر والقلق إن فاتهم أي منشور عن حياة شخص يتابعونه.
اقرأ: 8 تقنيات يتبعها فائقي الذكاء لتثبيت المعلومات في الذاكرة مدى الحياة
الفيديوهات القصيرة آلة للدوبامين
الدوبامين هو هرمون مسؤول عن مركز السعادة في الجسم، ويتم إفراز هذا الهرمون من قبل الدماغ عندما يتوقع المكافآت. وكل فيديو قصير تشاهده على منصات التواصل الاجتماعي هو بمثابة مكافأة لدماغك.
هذا ما يجعل من مشاهدات الفيديوهات القصيرة مُدمنة بشكل كبير. ففي دقيقة واحدة يمكنك التمرير بين عشرات الفيديوهات، مما يجعل دماغك يتوق لمكافآت جديدة في كل عملية تمرير.
بالإضافة إلى ذلك، تشير العديد من الدراسات، ومنها دراسة نشرت في Nature Communication، إلى أنّ قدرة الأفراد على التركيز والانتباه تتقلص بشكل كبير مع مرور الوقت عند التعلق بمشاهدة الفيديوهات القصيرة.
وعند التعود على هذا النوع من المحتوى، يصبح من الصعب على المستخدم مشاهدة الفيديوهات الطويلة لأنّه يجدها “مُرهقة”. ويظهر هذا التأثير السلبي بشكل واضح عند الشباب، حيث يصعب عليهم عندها تحمل قراءة كتاب طويل أو حتى القيام بالواجبات المنزلية لأنّهم يجدونها مُتعبة وتستغرق وقتًا طويلًا.
أهم علامات إدمان السوشيال ميديا
إن كنت تتساءل ما هي العلامات الظاهرة لإدمان السوشيال ميديا، إليك أهمها:
- الاستيقاظ على شاشة الجوال: يفتح الشخص أعينه على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.
- لا يستطيع الشخص الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي حتى في أوقات العمل أو الدراسة.
- شعور الفرد بالقلق والتوتر عندما يفقد الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي.
- متابعة أداء المنشورات ومدى تفاعل الآخرين بشكل مستمر.
- قضاء وقت طويل في التخطيط لنشر المحتوى بما ينعكس سلبًا على أولوياته في الحياة.
- سماع تنبيهات وهمية عندما لا يكون هنالك أي إشعارات حقيقية في الجوال.
- يبقى متصلًا عندما يجلس مع عائلته أو أصدقائه ولا يتفاعل مع أحاديثهم.
إن وجدت أنّ هذه العلامات ظاهرة عليك أو على شخص تعرفه، فهي تشير إلى إدمان السوشيال ميديا.
انظر: منهم المتلاعب… 10 أنواع من الأشخاص عليك الابتعاد عنهم مهما كلّف الثمن وفقًا لعلم النفس
كيفية التخلص من إدمان السوشيال ميديا
إن كنت مستعدًا لعيش حياة أفضل والحد من وقتك على وسائل التواصل الاجتماعي، إليك بعض الخطوات المهمة للبدء:
1. تحديد غايتك من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
إن كنت تسعى للتحكم بوقتك على وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من أن تتحكم بك، عليك أولّا تحديد الغاية من استخدامك لهذه المنصات. هل تستخدمها للبقاء على تواصل دائم مع الأصدقاء؟ أو ترغب بالتسويق لمشروع خاص بك؟ يساعدك ذلك في تحديد وقتك اللازم على وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا دون الحاجة للدخول لأسباب أخرى.
2. من المهم جدًا إيقاف الإشعارات!
أنصحك بتخصيص ساعة ونصف من وقتك لمشاهد الفيلم الوثائقي “The Social Dilemma” لأنّه سيفتح عقلك عن آلية جذب الإشعارات للمستخدمين للبقاء متصلين بمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
خوارزمية السوشيال ميديا تعلم في أي وقت ترسل لك الإشعارات لدفعك للعودة إلى استخدامها. فقد يكون مألوف لديك إشعارات مثل “صديقك أُعجب بمنشور معين” أو “صديقك تابع صفحة معينة” أو “أحد متابعينك قام بإضافة منشور” أو “شخص جديد قام بمتابعتك”. جميعها إشعارات تهدف إلى جذبك لقضاء أطول وقت ممكن على هذه المنصات.
من السهل جدًا إيقاف الإشعارات لأي تطبيق سوشيال ميديا، كل ما عليك فعله هو الذهاب إلى إعدادات جوالك والدخول إلى إعدادات التطبيق ومن ثمّ إيقاف الإشعارات.
أنا شخصيًا أُبقي جميع إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي غير مفعلة وأؤكد لك أنّها طريقة فعالة جدًا لإبعادك عن وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ: أسرار الربح من الانستقرام.. 8 طرق موثوقة لكسب المال ونصائح للمبتدئين
3. اختر المحتوى الذي تتابعه بعناية
عليك معرفة أنّ أي شيء تنقر عليه أو تُعجب به أو تقضي وقتًا في مشاهدته أو قراءته، يحدد المحتوى الذي يظهر لك في خلاصة أخبار وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الخطوة مهمة جدًا لجعل منصات التواصل الاجتماعي أداة مفيدة أو مُدمنة. فإن كنت تتفاعل فقط مع المحتوى الذي يهمك، سواء محتوى أخباري أو تعليمي أو ثقافي، فأنت تخبر خوارزمية المنصة أنّك مهتم بهذا المحتوى فقط، وهذا ما ستحصل عليه.
لا تبدأ بتوزيع الإعجابات والتعليقات بشكل متهور، لأنّك ستحوّل خلاصتك إلى مكان فوضوي يستنزف وقتك.
اسمح لنفسك بإلغاء متابعة بعض الصفحات أو الأفراد الذين لا تهتم بمحتواهم بين الحين والآخر، حتى قم بإلغاء متابعة الأشخاص الذين لا تعرفهم جيدًا لأنّ أخبارهم لا تهمك.
4. قلل من وقتك على الإنترنت
قد تكون من أصحاب جملة “ليس لدي الوقت الكافي”. الحقيقة أنّه دائمًا ما يوجد الوقت الكافي لكن عليك تعلم كيفية إدارته.
أغلب الأفراد يقضون معظم وقتهم خلال اليوم متصلين بالإنترنت. فحتى لو كنت تستخدم جوالك خارج منصات التواصل الاجتماعي، فأنت على بعد نقرة واحدة فقط من البدء بتصفح خلاصة أخبارك. لذلك، عليك التقليل من الاتصال بالإنترنت خلال اليوم وتحديد ساعات محددة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي قدر الإمكان.
انظر: اكتشف قوة الذكاء الاصطناعي في أدوات التصميم… أفضل 8 أدوات لإنشاء تصاميم مبهرة
5. لست بحاجة لمشاركة كامل حياتك
إن لم تشارك كل شيء تقوم به خلال اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، فالحياة لن تتوقف. فإن لم تكن تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض تسويقية، فليس لديك أي التزام اجتماعي تجاه المشتركين لإطلاعهم على كل حدث في حياتك.
في الحقيقة، يمكنك الاستمتاع بأبسط الأمور خلال يومك إن أبقيت كاميرا جوالك خارج متناول يديك. فإن كنت في حفل موسيقي أو مع الأصدقاء أو تستمتع بإحدى اللحظات المهمة في حياتك، ابقي جوالك بعيدًا واستمتع بهذه اللحظات الثمينة والتقطها بعينيك ودعها تصبح ذكرى جميلة. لست بحاجة لمشاركة كل شيء مع الآخرين، الأولوية هي مشاركتها مع نفسك.
6. ابحث عن هوايات تهمك
إن كنت تشغل نفسك خلال اليوم بالقيام بأشياء تحبها، فلن تجد الوقت الكافي لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. اعمل جاهدًا على تعلم مهارات جديدة والبحث عن هوايات تهمك، وادمج هذه الأنشطة في روتينك اليومي للابتعاد عن السوشيال ميديا.
اقرأ: منها تدريس العربية للأجانب… 9 وظائف عن بُعد بدوام جزئي تدفع أكثر من 20 دولار للساعة
7. خصص جهازًا منفصلًا لوسائل التواصل الاجتماعي
إن كنت قادرًا على تخصيص جوال آخر أو استخدام الحاسوب فقط لوسائل التواصل الاجتماعي، فقم بذلك. فإن كنت تستخدم جوالك الشخصي لتصفح هذه المنصات، فستقوم بالدخول إليها أينما تواجدت. عبر تخصيصك لجهاز آخر لوسائل التواصل الاجتماعي، ستبتعد عنها عندما تكون خارج المنزل وستتمكن من تخصيص وقت محدد لاستخدامها عند تواجدك فيه.
8. قضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء بعيدًا عن الإنترنت
طريقة أخرى فعالة لتجنب إدمان السوشيال ميديا هي قضاء المزيد من الوقت مع أصدقاءك في الحياة الواقعية. قم بتنظيم نشاطات معهم بين الحين والآخر للاستمتاع بوقتك معهم. يساعدك ذلك على بناء علاقات أعمق وأقوى والاستمتاع بلحظات حقيقة مع الأصدقاء بعيدًا عن الحياة الافتراضية المصطنعة.
يمكنك قراءة مقالات مشابهة في قسم تطوير الذات وبناء الشخصية.
مقالات ذات صلة:
السعادة بين يديك… 8 طرق مُثبتة علميًا لإدخال السعادة إلى حياتك اليومية
لتتحدث أمام الجمهور بثقة تامّة… 9 خطوات للتخلص من الخوف والقلق
10 مهن هي الأسرع نموًا في العالم مع آلاف الوظائف الشاغرة