فن الامتنان: السر الخفي وراء حياة أكثر سعادة

فن الامتنان... السر الخفي وراء حياة أكثر سعادة

تشير أبحاث علم النفس إلى وجود علاقة وثيقة وقوّية بين السعادة والامتنان. فالسعادة ليست مجرد عاطفة أو شعور مؤقت بالرفاهية والفرح، بل ترتبط أيضًا بالشعور الجيد والإحساس بالرضا عن حياتك والمعنى والغاية فيها. لهذا السبب، تبرز هذه العلاقة الإيجابية بين الامتنان والسعادة، فكلّما زاد امتنانك ورضاك عن حياتك، زادت سعادتك. لكن ما هو الامتنان؟ وكيف يمكن أن يؤثر على السعادة في حياتك؟ هذا ما سنراه في مقالنا التالي.

 ما هو الامتنان وكيف يمكنك التعبير عنه؟

الامتنان يعني النعمة أو العرفان والشكر والتقدير لما يتلقاه الفرد في حياته، سواء كان شيء ملموس أو غير ملموس. والشعور بالامتنان يعني الاعتراف بالخير الموجود في حياتك بما يساعدك في التواصل مع شيء أكبر من ذاتك.

يوجد عدّة طرق للتعبير عن الامتنان في حياتك، فالأمر لا يتعلق بالحاضر وحسب، بل يمكن تطبيقه على الماضي والحاضر والمستقبل. فاسترجاع الذكريات الإيجابية وتقدير النعم التي حصلت عليها في الطفولة أو في مراحل لاحقة، يعتبر امتنان للماضي. في حين أنّ الاعتراف بأي شيء جيد يحصل معك في الحاضر وعدم اعتباره أمر مفروغ منه هو نوع من أنواع الامتنان للحاضر. أمّا المحافظة على نظرة مستقبلية متفائلة وإيجابية هو تطبيق عملي للامتنان على المستقبل.

وأيّ كان نوع الامتنان الذي تمارسه أو قد لا تمارس أي منه، فإنّ هذه الحالة هي صفة قابلة للتنمية والتطوير مع بعض التدريب.

أبحاث تم إجراؤها حول الامتنان

تم إجراء العديد من الأبحاث لدراسة أثر الامتنان في حياتنا. منها الأبحاث التي أجراها علماء النفس الدكتور روبرت إيمونز من جامعة كاليفورنيا ديفيس، والدكتور مايكل مكولوه من جامعة ميامي.

في إحدى هذه الدراسات، طلب العلماء من بعض المشاركين كتابة بضعة جمل أسبوعيًا مع التركيز حول مواضيع محددة. تم تقسيم المشاركين إلى 3 فئات، الفئة الأولى كتبت عن ما كانوا ممتنين له خلال الأسبوع، بينما كتبت الفئة الثانية عن الأمور اليومية التي أزعجتهم، وكتبت الفئة الثالثة عن أحداث أثرت فيهم (دون التركيز على كونها إيجابية أو سلبية).

بعد مرور 10 أسابيع، وجد الباحثون أنّ الفئة الأولى التي كتبت عن الامتنان كانوا أكثر تفاؤلًا وشعورًا بالرضا في حياتهم مقارنة بالفئات الأخرى. والمثير للدهشة أنّ الأمر أثر على صحتهم العقلية والجسدية بشكل أفضل أيضًا.

وفي بحث آخر للدكتور مارتن سليجمان من جامعة بنسلفانيا، تم إحضار 411 شخصًا ومنحهم مهمة أسبوعية لكتابة وتسليم رسالة امتنان لشخص لم يشكروه بما يكفي على لطفه معهم، وأظهرت النتائج ارتفاعًا كبيرًا في درجات السعادة لديهم على الفور، واستمرت تأثيرات السعادة لمدة شهر كامل.

هذه فقط بعض من الأبحاث التي تدعم وجود علاقة بين الامتنان ورفاهية الفرد النفسية وسعادته وصحته العقلية والجسدية.

اقرأ: السعادة بين يديك… 8 طرق مُثبتة علميًا لإدخال السعادة إلى حياتك اليومية

تأثير الامتنان على العلاقات الشخصية

اتجهت دراسات أخرى لدراسة أثر الامتنان على العلاقات بين الأزواج، ووجدت أنّ الأفراد الذين يخصصون بعض الوقت للتعبير عن الامتنان لشريكهم يشعرون بمزيد من الإيجابية والراحة تجاه الطرف الأخر. في حين أنّ مدراء العمل الذين يمارسون قول “شكرًا” لموظفيهم، يرفعون من حافز الموظفين للعمل بجدية أكبر.

تأثيرات إيجابية للامتنان على صحتنا العقلية والجسدية

الأبحاث المذكورة سابقًا هي جزء من الدراسات التي أجربت حول تأثير الامتنان على حياتنا. دراسات أخرى أظهرت أنّ للامتنان تأثيرات أبعد من رفع مستوى السعادة لدى الفرد.

تُظهر الأدلة العلمية إلى أنّ الامتنان له تأثيرات إيجابية على الصحة الجسدية، حيث يدفع الأفراد لممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والعناية بصحتهم. كما يقلل الامتنان من التوتر ويخفف الآلام ويحسّن من الجهاز المناعي، كما تم ربطه بتحسين ضغط الدم وصحة القلب.

أمّا تأثيره على الصحة النفسية، فالامتنان يعزز الثقة بالنفس ويزيد من المشاعر الإيجابية ويجعلنا أكثر تفاؤلًا في حياتنا.

فعندما نشعر بالامتنان، تنشط في الدماغ بعض الناقلات العصبية مثل الدوبامين والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشعور بالمتعة. وينشط أيضًا السيروتونين الذي ينظم مزاجنا. وكما يحفز الامتنان الدماغ على إفراز هرمون الأوكسيتوسين، الذي يحفز مشاعر الثقة والكرم، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويجعلنا نشعر بالترابط مع الآخرين.

انظر: منهم المتلاعب… 10 أنواع من الأشخاص عليك الابتعاد عنهم مهما كلّف الثمن وفقًا لعلم النفس

كيفية ممارسة الامتنان وتطبيقه في حياتنا اليومية

الامتنان هو أداتك لجلب السعادة لحياتك، بدلًا من السعي الدائم لفعل شيء جديد على أمل أن يجلب لك السعادة.

وكما هو الحال بالنسبة لتمرين عضلاتك، عندما تمارس الامتنان بانتظام، ترتفع الفوائد التي تحققها منه. إليك بعض النصائح للبدء:

ممارسة الامتنان في حياتك اليومية

أفضل طريقة لتفعيل الامتنان هي ممارسته العملية في حياتك اليومية. ينصح الخبراء بالّا تنتظر الأحداث الخاصة للشعور بالامتنان، بل البدء بممارسته تجاه أبسط الأمور من حولك.

على سبيل المثال، ينصح الخبراء بالاحتفاظ بمذكرات امتنان يومية تكتب فيها عن الأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها كل يوم. حيث أشارت الممارسات إلى أنّ الكتابة اليومية تساهم في التحكم بالقلق والتوتر وترفع من مستويات الشعور بالسعادة.

الأمر ليس معقدًا أبدًا، انظر من حولك وابدأ بتحديد بعض الأمور التي تعتقد بأنها تحصل كشيء طبيعي، وخصص بعض اللحظات للشعور بالامتنان تجاهها. إليك بعض الأمثلة:

  1. انظر من حولك وكن ممتنًّا لوجود سقف فوق رأسك.
  2. قدّر الأشخاص الذين يعاملونك بشكل جيد في أبسط المواقف.
  3. اشعر بالامتنان من وجود أشخاص من حولك يهتمون لأمرك، مثل الأصدقاء والعائلة.
  4. مارس الامتنان في بيئة العمل.
  5. كن ممتنًا لامتلاك أوقات راحة خاصة بك، مثل أيام العطل.
  6. تبادل الشكر مع الزملاء والأصدقاء.
  7. استمتع باللحظات الصغيرة واشعر بالامتنان تجاهها.
  8. اكتب رسائل شكر لأي شخص ساعدك في أي موقف.
  9. الصلاة: الكثيرون يقومون بالصلاة لتعزيز شعورهم بالامتنان.

الأمر لا يتوقف على الأمثلة السابقة، قم باختيار الطرق الأنسب لك لممارسة الامتنان وإدخال السعادة إلى حياتك.

اقرأ: كيف يمكن لإدمان السوشيال ميديا أن يدمر حياتك وكيفية التخلص منه

التعلم من تجربة الدول الاسكندنافية

لربما تساءلت من قبل، لماذا تحتل الدول الاسكندنافية، فنلندا، والنرويج، والسويد، والدنمارك، وآيسلندا، دائمًا أعلى المراتب في تقرير السعادة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة؟ يُشار إليهم كأسعد شعوب العالم.

يستخدم السويديون مصطلح “lagom” كمفهوم للتعبير عن الاعتدال والاكتفاء بما هو كافٍ. لا يسعون وراء السعادة المفرطة ولا يعملون لساعات إضافية خلال الشهر، بل هم متقبلون ومقتنعون بحياتهم ويحرصون على الحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة. كما يتمتع مجتمعهم بمستويات منخفضة جدًا من الفساد ومستوى عالٍ من الثقة الاجتماعية.

نتيجة لهذا الرضا والقناعة، يشعرون بقيمة حياتهم، ويعيشون تحت ضغط أقل وتوتر أقل، ولديهم المزيد من الوقت للاستمتاع بما يحبونه.

تخصيص بعض الوقت خلال يومك للشعور بالامتنان يمكن أن يؤثر على سعادتك ويدعم صحتك العقلية والجسدية  بشكل كبير. قد يبدو هذا الكلام مبتذلًا بالنسبة للبعض، لكن مع الممارسة المنتظمة سترى الفوائد الكثيرة التي يمكنك تحقيقها من الامتنان فقط وستشعر بالامتنان لقراءتك مقالي هذا، ولمتابعتك لمنصة موندووف!

يمكنك قراءة مقالات مشابهة في قسم تطوير الذات وبناء الشخصية.

مقالات ذات صلة:

خط يدك هو هويتك… 7 نصائح من الخبراء لتحسين خط اليد لكتابة أجمل

وفقًا لخبراء من هارفارد: أفضل 10 أطعمة لتعزيز صحة الدماغ وزيادة التركيز

بعيدًا عن الراحة، كيف يغير النوم الجيد حياتك؟ نصائح Jeff Iliff على TEDx

بعض المصادر:

Harvard Health Publishing. Giving thanks can make you happier. health.harvard.edu/healthbeat/giving-thanks-can-make-you-happier

عن الكاتب